نحو الذائبين

نحو الذائبين

السبت، 7 يناير 2012

طابط الجيش: لو شفتك تاني محدش هيعرف طريقك



يوم الأثنين- 19ديسمبر
الوقت: تمام الثانية عشرة ظهرا.المكان: ميدان التحرير.

الحدث: قوات الجيش تقتحم الميدان، وتغلق محطة مترو أنور السادات على ركابها. وعلى كل مخرج يقف عدد من الجنود يمنع الخارجين من الصعود للأعلى.
كنا مجموعة من الشباب والبنات، نحاول الخروج من المخرج القريب لكنتاكى، على المخرج حوالى سبعة من جنود الجيش، ومعهم آخرون بلباس مدنى.

«انزلى تانى، مفيش خروج من هنا؟»، زعق ذو اللباس المدنى، من وراء جندى القوات المسلحة، وكان ردى: «إنت بتكلمنى ليه؟ أنا هطلع من هنا؟، فين الجيش؟»، وكانت إجابته: «احنا الجيش». الجنود ذوو اللباس العسكرى يفصلون بيننا ولا يتدخلون.

بعد وقت، وبصعوبة شديدة نجح بعضنا فى التسلل من المحطة، وكان أمامنا شارع طلعت حرب. بالخارج كان المشهد مشتعلا: دخان يتصاعد وصرخات من كل اتجاه، وقوات الجيش تحتل الميدان بأكلمه، يهرولون فى كل اتجاه، من بداية شارع قصر العينى، وحتى المتحف المصرى. وسط قوات الجيش يقف أفراد بلباس مدنى حاملين الهراوات والعصا والصواعق الكهربية، ومن أمام مدخل شارع طلعت حرب المطل على ميدان التحرير، تجمع نحو مائتى متظاهر، وجاء عشرات آخرون للتضامن مع من نجوا من السحل والضرب.

جلس الجميع على الأسفلت، بعد أن وضعوا حاجزا حديديا ليفصل بينهم وبين قوات الجيش المتأهبة على بعد أمتار قليلة. وبدأت أصواتهم تعلو بالهتافات «يسقط يسقط حكم العسكر، إحنا الشعب الخط الأحمر». وأنا على بعد أمتار منهم أسجل ملامح ما أرى فى مفكرة صغيرة.

يزداد الهتاف والصوت يعلو، وفجأة يبدأ أفراد الجيش بالتقدم فى اتجاه المتظاهرين، بعنف انهالوا على كل من طالته أيديهم بالعصا والهراوات، وبدأ الجميع يهرول.

ضمن من جرى، حاولت الجرى، لكن خطوتى تعرقلت، لأجدنى محاطة بعدد من أفراد الجيش انهالوا على بالعصى، كنت أحتمى بحقيبتى الصغيرة، وأجاهد لأحمى وجهى من العصى المشهرة. كانوا يتحاشون موضع الحقيبة لتصل أيديهم إلى جسمى مباشرة، فى أعينهم حقد لا أفهمه.

جذبنى ثلاثة منهم وسحبونى على الأرض، حتى سمعت صوتا: «سيبوها، خلاص ما حدش يمد إيده»، كان مصدر الصوت ضابطا بلباس عسكرى. فامتثل الجنود، واستبشرت خيرا.

تقدم الضابط نحوى، ثم جذبنى من شعر رأسى بعنف، وسأل: إيه اللى جابك هنا؟»، وبجانبه زميل له يشتمنى بألفاظ نابية. صفعنى على وجهى مرتين وقال: «الجيش ده هو اللى بيحميكوا يا.. ».

كان الضابطان يسحبانى وأنا أحاول أن أتمالك خطوتى لأجاريهم فلا أقع، تجاوزنا الميدان باتجاه شارع محمد محمود، وعلى بعد خطوات من مدخله، سمعت هتافات لا أرى مصدرها: «سيبها حرام عليك دى بنت، منكم لله، منكم لله».

أوقفنى الضابط، وسألنى مجددا عن سبب وجودى، فجاوبته بأنى صحفية، فطلب منى إثبات شخصية، وبعد أن سلمته كل ما يثبت هويتى، هددنى بأنه سيعتقلنى.

فى تلك الأثناء، تقدم رجل بلباس مدنى ناحية الضابط، قائلا: «هاتها يا باشا هنسلمها هنا مع بقية العيال». لم أفهم ماذا يقصد، لكن الضابط الأول حرك ذراعه بإشارة نفى، وقال: «لا، سيبها دى صحافة عشان ميقرفوناش».

جذبنى الضابط بعنف من ذراعى الأيسر، صرخت من الألم، بينما كان يتوجه بى باتجاه مستشفى الميدان أسفل مجمع التحرير، طوال الطريق، لم تكن السباب المهينة والبذيئة تتوقف، وبمجرد اقترابنا من ساحة المجمع، جرى باتجاهى عدد من جنود الجيش مشهرين العصى السوداء القصيرة، مستعدين للانقضاض، لكن إشارة لا مبالية من كف الضابط الذى يقتادنى، أوقفتهم.

كانت قوات من الجيش توشك على الانتهاء من «كنس» ساحة مجمع التحرير ممن فيها، بينما 7 أطباء بينهم فتاة يحاولون إقناع ضباط الجيش للاحتفاظ بالأدوية والمعدات الطبية، وجاءهم الرد متهكما: «سيبوها، احنا عايزينها، هتعالج بيها».

بعد لحظات، أمرنى الضابط بالخروج من الميدان مع الأطباء الذين كانوا يستعدون لمغادرة الميناء، وهددنى: «لو شفتك هنا تانى محدش هيعرفلك طريق».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق